بدأت الحياة البشرية على كوكب الأرض بسيدنا آدم عليه السلام وزوجته وأولاده.
يذكرهم أباهم بأنهم على الأرض لاتباع شرع الله سبحانه حتى يتجنبوا الشقاء في الدنيا والآخرة.
شعارهم (( قُلۡنَا ٱهۡبِطُواْ مِنۡهَا جَمِيعٗاۖ فَإِمَّا يَأۡتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدٗى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ (38) وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِـَٔايَٰتِنَآ أُوْلَٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلنَّارِۖ هُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ (39) ))
الخلاف بين الأخوة
ليس الكثير يعلم ما الدافع أو ما السبب الذي دفع الأخر لازهاق روح أخيه والحقيقه أن الأصل في هذا الموضوع مختلف فيه وتدور حوله الكثير من التفسررات والأقاويل … المهم أنهما اختلفا.
وحتى يُفض الاختلاف؛ أُمِرا أنْ يقرِّب كلٌ منهما قرباناً لله تعالى، فمَن أحرقت النار قربانه فهو الأحظى عند الله جلَّ وعلا. وقد كانت علامة قبول القربان أن تنزل نارا من السماء فتأكل القربان الذي قُبل.
فقام (قابِيل) – وكان صاحبَ زَرعٍ – بتَقريب حفنةٍ من طعامٍ رديءٍ. وقام (هابِيل) – وكان راعي غنمٍ – بتَقريب أفضل ما عندَه من الغَنَم، فنَزلت نارٌ من السماء فأكلت قربانَ (هابيل) وتركت قربان (قابيل). ولما تركت النار قربان قابيل .. غضب وامتلأ حسدا، وقال لأخيه هابيل : ((لأقتلنّك)).
الحسد والكبر - مرة أخرى -
الشيطان لا يمل ولا ييأس. يريد أن ينقل صفاته السيئة إلى بني آدم حتى يثبت لله أن هذا الكائن الذي فضله عليه يتصرف مثل تصرفاته بل وأكثر انحطاطا.
زرع الشيطان الحسد في قلب قابيل … ليس الحسد فقط، بل الكبر أيضا. فكيف يتقبل الله منك ولا يتقبل مني؟!! أنا الأخ الأكبر!
كأن هابيل أحس بهذا الحسد، فوضح له سبب التفضيل الذي حصل حتى يساعد أخاه على تصحيح حياته، فقال له :{إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ}..
وكان هابيل أقوى وأشدّ من أخيه الكبير قابيل، وكان من السهل عليه أن يبطش به لو أراد ذلك، ولكنه تورّع أن يقابل أخاه بالسوء الذي أراد منه، بل كان على خلق حسن ودين، وخوف من الله تعالى ..
فقال هابيل:{ لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ} المائدة: 28
الجريمة الثانية
بعد جريمة الحسد والتي لا تؤذي إلا صاحبها، تطور الموضوع إلى الجريمة التالية. فالحسد لا يقف عن كونه حسدا وفقط.
إن جريمة الحسد دائما ينتج عنها ردة فعل من الحاسد بمعصية أكبر وأفظع.
فأول معصية بشرية هي الحسد، ثم عن هذه المعصية نتجت المعصية الثانية.
ففي حالة إبليس أدى الحسد عنده إلى الكبر، والكبر أدى أنه عصى أمر الله بالسجود,
أما في حالة ابن ادم، الحسد أدى إلى الكبر، والكبر أدى إلى القتل.
عصى الرحمن، وأطاع الشيطان، ووقعت المصيبة الكبيرة ..
فأخ يقتل أخاه ظلما وعدوانا… بدون أي سبب سوى الحسد، وإتباع الهوى، وتضليل إبليس عدو أبيه وعدوه عدو بني آدم إلى قيام الساعة.
الاستفاقة
رحل إبليس اللعين عنه، متبرئا من عمله الذي أوحاه له وشجّعه عليه، ثم تركه يواجه غضب الله وعذابه ..
فإسودّت الدنيا وأظلمت في عينيه، وندم ندما عظيما على عمله الشيطاني، وعاد إلى رشده وعقله وما تربّى عليه من طيبة وخير وصلاح..
ولهذا نجده لم يترك شقيقه وينصرف بعد مقتله كما يفعل عادة الخصوم ..
بل حمله بين يديه وإحتضنه بحنان الأخوّة كالمجنون ، ولم يعد يعرف ما يفعل به !!!
وأراد الله تعالى أن يعلّمه هو وغيره ، كيف يتم التصرّف بالموتى ،، لأن هابيل كان أوّل من يموت على الأرض من البشر ..
فبعث الله له غرابين، وكانا أخوين أيضا ،، فتقاتلا مع بعضهما … فقتل أحدهما الآخر، فلما قتله؛ عمد إلى الأرض، فحفر له حفرة ، ثم ألقاه ودفنه وواراه فيها..
فلما رآه صنع ذلك ، قال: ((يا ويلتا أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوأة أخي ))؟؟؟!!!
ففعل مثل ما فعل الغراب، فواراه ودفنه.
قال تعالى: { فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَاباً يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ قَالَ يَاوَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ } المائدة: 31
الدروس المستفادة من قصة ابني آدم:
1 – ﴿ لَنْ تَنَالُوا البِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ﴾:
- كان قربان هابيل هو أحسن ماله وأحبه إليه، وكان قربان قابيل هو أردأ ماله
2- ﴿ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ﴾:
- لقد قبل الله قربان هابيل لعظيم تقْواه؛ ( إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِيين )
3-أدب المؤمن عند الفتنة:
- فالمؤمنُ يبتعد كل البعد ويكف نفسه عن المواجَهة الدمويَّة؛ ﴿ لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ ﴾.
4- عواقب الحسدِ وخيمةٌ جدًا، وإنَّ مآل الحاسد الخسران المبينَ والندم الشديد.
- فالحسد هو بداية وليس معصية يقع فيه الانسان وكفى.
5- ازهاق الروح البريئة بدون وجه حق من أبشع الجرائم وتوجب النار.
- فقد قال الله عنه (( فَقَتَلَهُۥ فَأَصۡبَحَ مِنَ ٱلۡخَٰسِرِينَ )) (30)
6- طاعة النفس مدخل الفساد
- يصف الله سبحانه ذلك بقوله: (( فَطَوَّعَتۡ لَهُۥ نَفۡسُهُۥ قَتۡلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ )). فالشيطان يوسوس للإنسان، لكن النفس تكمل المسيرة.