لقد كانت حالة نوح -عليه السلام – حالة جميع الرسل في دعوتهم إلى الله، فقد قال لقومه اعبدوا الله الواحد الأحد
بداية الأصنام
لقد أُرسل سيدنا نوح عليه السلام إلى قوم ليسوا فقط يعبدون الأصنام؛ إنما هم أول من صنعها.
صنعوها في البداية لتذكرهم بالصالحين السابقين من قومهم لينشطوا -بزعمهم- على الطاعة إذا رأوها … فأرادوا أن يخلدوا أسمائهم، وكانت أسماء هؤلاء الصالحين هي: ود و سواع و يغوث و يعوق و نسر…
ولما توالت الأجيال؛ نسي الجيل الجديد الغاية من هذه التماثيل فظنوها آلهة لهم، فعبدوهم من دون الله.
أساليب الدعوة
ولقد استعمل سيدنا نوح عليه السلام كل الأساليب التي استطاعها.
أولاً: بدأ بأسلوب (الترغيب)…
بأن أمرهم أن يتركوا عبادة الأصنام التي لا تضرهم ولا تنفعهم، وأن يعبدوا الله، وأن طاعته _عليه السلام _ من طاعة الله، وأنه يريد لهم الخير ويخشى عليهم من عذاب الله الأليم…
ثم استخدم…
ثانيا: أسلوب(الترهيب)…
بأن أنذرهم بالعذاب الأليم، وأن الله لا راد لقضائه ولا معقب لحكمه، وأنه ما لهم إلا الإيمان بالله قبل أن يلحق بهم هذا العذاب المؤلم…
ثم استخدم…
ثالثا: أسلوب (الإرشاد)…
انهم يخلصوا العبادة لله، وأن يتقوه في أقوالهم وأفعالهم، وأن يطيعوه في كل ما يأمرهم به وينهاهم عنه، وأنه لا يسألهم على ذلك أجرا إنما أجره على الله…
ثم استخدم…
رابعا: أسلوب (التأمل)…
فدعاهم إلى التأمل في خلق الله، وفي خلق السماوات والأرض، وفي خلق أنفسهم، وفيما أسبغ عليهم من نعمة.
فقد أمدهم الله بالأموال والبنين والأنهار، وبسط الله لهم الأرض بساطا فكانت سهلة عليهم طرقها و الإعمار فيها.
وهكذا…
لم يترك سيدنا نوح أسلوبا إلا ودعاهم به. حتى أنه دعاهم ليلاً ونهارا… دعاهم جمعا وفرادا…
دعاهم بشتى الطرق ولم يمل من دعوتهم لعل يخرج واحداً منهم يؤمن بالله.
ظل سيدنا نوح -عليه السلام- يدعو قومه ألف سنة إلا خمسين عاما…
موقف قومه من الدعوة
لقد صور لنا القرآن الكريم عناد قوم نوح وجحودهم للحق في أنهم جعلوا أصابعهم في آذانهم، واستغشوا ثيابهم، وأصروا واستكبروا استكبارا…
أي أنهم لم يفكروا حتى مجرد التفكير في كلام سيدنا نوح -عليه السلام- بل جعلوا يضعون أصابعهم في آذانهم حتى لا يسمعوا…
بل تمادى الأمر أنهم غطوا أعينهم بثيابهم حتى لا يروه…
غير أنهم أصروا واستكبروا وعاندوا ولم يذعنوا له…
وعلى الرغم من ذلك العناد؛ إلا أن سيدنا نوح لم يتوانى عن الدعوة.
دعاهم جهارا وسرا وحاول أن يصل الى قلوبهم بالأساليب الحكيمة والصبر الشديد عليهم كما ذكرنا سابقا ولكنهم كانوا في قمة الجهالة العناد والطغيان…
فعليه السلام كان من أولي العزم للرسل وما كان لأحد أن يطيق تلك السنين كلها مع قوم جهال عنيدين.
بعد كل هذه السنين؛ ما آمن معه إلا قليل.
الطوفان
هكذا دعا سيدنا نوح -عليه السلام- قومه بدون فتور ولا تواني حتى قال الله له: [( أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلَّا مَن قَدْ آمَنَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ)] …
هنا دعى عليهم سيدنا نوح -عليه السلام- [(وقال نوح رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا* ‘إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا)]
سيدنا نوح يرى أن هؤلاء الناس لن ينتج عنهم نتاج صالح بعد اليوم. إن وجودهم سوف يؤدي لزيادة الفجرة الكفرة…
كيف علم ذلك؟ لأن الله أوحى له سابقا [( أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن … )].
أمر الله سبحانه وتعالى سيدنا نوح بصنع السفينة… لكن، كيف يتم صنع سفينة وسط يابسة؟!
إنها ليست أي سفينة، إن المصمم لها هو الله سبحانه وتعالى.
يقول الله [( واصنع الفلك بأعيننا ووحينا … )] أي تحت رعاية الله سبحانه وتعالى وبتوجيه من الله سبحانه وتعالى … فكل جزء من هذه السفينة مهما كبر أو صغر مكانه وتصميمه هو من عند الله سبحانه وتعالى.
إنها أقوى وأتقن سفينة على مر التاريخ البشري بلا منازع ولا منافس.
أخذ سيدنا نوح يجهز سفينته لليوم الموعود.
ولقد استهزئ به قومه كلما مروا عليه وشاهدوه يعمل في السفينة.
كيف يتم صناعة سفينة مع أنه ليس بجوارهم بحرا!
كيف تجري تلك السفينة على اليابسة!
ولكنه صبر على استهزائهم ، واحتسب أجره عند ربه.
هو يعلم أنه سوف يأتيهم عذاب يخزيهم، فلم يضع وقته في مجادلتهم أو في الدفاع عن نفسه من كلماتهم.
لما انتهى سيدنا نوح من بناء السفينة، وجاء الوقت الذي قدره الله؛ أمر الله سبحانه وتعالى نبيه أن يجمع فيها من كل زوجين اثنين، حتى لا تنقرض تلك الأنواع من الطيور والحيوانات.
أمره سبحانه أن يأخذ معه كل من آمن به من المؤمنين في سفينته…
ثم أمر الله سبحانه وتعالى السماء بأن تنزل ماءها وأمر الأرض أن تّفجر عيونها…
فكان الماء من كل ناحية…
وظل كل شخص غير مؤمن يحاول الهروب من هذا الماء المهلك…
لما رأى سيدنا نوح ابنه وسط هؤلاء المتخبطين؛ ناداه سيدنا نوح فقال: يا بني اركب معنا ولا تكن مع الكافرين…
ولكنه لم يستجب، وقال: سأحتمي بالجبل ليعصمني ويحميني من الغرق في هذا الماء…
ولكن لا يستطيع أحد أن يفر من عقاب الله…
فحال بينهما الموج فكان من المغرقين….
أغرق الله -سبحانه وتعالى- جميع الكافرين ثم أمر الله الأرض أن تبلع الماء، وأمر السماء أن تكف عن المطر، ورست السفينة على اليابسة…
وهكذا تكون نهاية الظالمين ونجاة المؤمنين.
اللهم اجعلنا من المؤمنين الناجين دائما يارب.
المستفاد من القصة
1- أن العمل بما جاء به الأنبياء سبب انفتاح أبواب الخير. بينما الكفر سبب لخراب العالم كله.
فإن الأمم التي تطيع الله ورسوله؛ يصلح لهم حالهم في الدنيا، ويجازيهم الجنة في الآخرة.
وحتى لو أصيبوا بقلة الأموال و الرزق؛ يكون ذلك ابتلاء واختبارا لصبرهم، ويجازيهم على ذلك جزاء عظيما.
2- لقد قرن الله في آياته بين الاستغفار وحلول الرزق والإمداد بالأموال والبنين والجنات… فذلك يدل على أن ذكر الله عامة والإستغفار خاصة يكون سبب عظيم في كل هذا الخير.
3- كل آيات القرآن فيها تذكير بنعم الله التي لا تعد ولا تحصى فعلينا أن نشكر الله على هذه النعم.
4- أن صلة القرابة بالأنبياء والصالحين لا تشفع للكافرين. كان ابن نوح كافر ولقد غرق ولم تشفع له قرابته بأبيه النبي وكذلك زوجته فكل منا محاسب على أعماله بمفرده.
5- لا عاصم من أمر الله إلا من رحمه الله. فإذا أردنا أن نحتمي من السهام فعلينا أن نقف بجوار الرامي.