أَلِفَ السُّقْمُ جِسْمَهُ والحَنِينُ
وَبَرَاهُ الهَوَى فَلَيْسَ يَبِينُ
ما أقسى لحظات الشوق عندما لا تستطيع التواصل مع من اشتقت إليه بالشكل الذي يشبع هذا الشوق ويشفيه ،فمن الشوق ما يشبعه كلمة، ومنه ما يشبعه مكالمة، ومنه ما يشبعه مجرد رؤية، ومنه ما يشبعه لقاء، ومنه ما يشبعه حضن، ومن الغريب أن من الشوق ما يشبعه مشاجرة، ومنه ما لا يشبعه إلا كل هذه الأشياء مجتمعة و لا يشفى بغير ذلك!
ما هو الشوق
الشَّوقُ : نزوعُ النَّفْس إِلى الشيء، أو تَعَلُّقها به، أو الرغبة فيه.
الشوق أنواع مختلفة منها الشوق لمخلوق على قيد الحياة بعيد المنال، ومنها الشوق إلى مخلوق فارق الحياة صعب الوصال.
ما حِيلتِي والشوقُ يَفتِكُ بالحَشَا
إنَّ الفـراقَ عَلى الفُؤادِ شَدِيدُ
التعامل مع الشوق
إذا اشتاقت نفسك إلى أحد وتعرف الطريق إلى وصاله فلا تتردد أبدًا في البدء ولا تؤجل وتتكاسل مهما كان بينكما من خلاف وقل:
لَبّيتُ فيكِ الشّوْقَ، حينَ دَعَاني
وَعَصَيتُ نَهْيَ الشَّيبِ، حينَ نَهَاني
وَزَعَمْتِ أنّي لَستُ أصْدُقُ في الذي
عِندي مِنَ البُرَحَاءِ، والأشجَانِ
أوَمَا كَفَاكِ بدَمعِ عَينَيَ شاهِدًا
بصَبَابَتِي، وَمُخَبّرًا عَنْ شَاني
تَمْضِي اللّيَالي والشّهُورُ، وَحُبُّنَا
بَاقٍ عَلى قِدَمِ الزّمَانِ الفَاني…
(البرحاء:شدة الهم ، الأشجان:الحزن ) (صبابتي:شدة شوقي، شاني:شأني)
فلا تعرف ماذا سيحدث فيما بعد من مشاغل الدنيا وأقدار البشر لا تتكاسل. لا تؤجل الإفصاح عن مشاعر لشخص ما فلا تدري ما الذي تؤول إليه الأمور.
أنواع الشوق
الإشتياق إلى البشر هذا نوع من أنواع الإشتياق.
ومن أنواع الإشتياق أيضًا الإشتياق لأماكن وأشياء مميزة لها أثر في نفوسنا تركت ذكرى في عقولنا ودفء في قلوبنا .
ومما لا شك فيه أن أجمل أنواع الشوق هو الشوق إلى الله. فكلما اشتقت إليه أسرعت إليه بالذكر والصلاة.
ألم تقرأ قول الله تعالى “واسجد واقترب” .
ومن وسائل القرب من الله قراءة القرآن والدعاء فيطمئن قلبك وتهدأ روحك، وتسعد نفسك.
نماذج عملية للشوق
لقد كان الشوق من المشاعر التي شعر بها الصحابة والصالحون تجاه أحبابهم:
- هذا ثوبان مولى النبي صلى الله عليه وسلم كان قليل الصبر عنه، يشتاق إليه كل يوم، جاءه يومًا وقد رأى في وجه تغيرًا فقال: ((ما غير لونك)) ؟ فقال: يا رسول الله ما بي من مرض ولا وجع غير أني إِذا لم أرك اشْتقت إِلَيْك وَاسْتَوْحَشْت وَحْشَة شَدِيدَة حَتَّى أَلْقَاك، ووالله إنك لأحب إلي من نفسي وأهلي وولدي، وإني لأكون في البيت، فأذكرك فما أصبر حتى آتيك، فأنظر إليك، وإذا ذكرت الآخرة عرفت أنك إذا دخلت الجنة رفعت مع النبيين، وإني إذا دخلت الجنة خشيت أن لا أراك ! فنزل قوله تعالى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا}
- وكان خالد بن معدان لا يأوي إلى فراشه إلا وهو يذكر من شوقه إلى رسول الله وإلى أصحابه، ويسميهم ويقول: هم أصلي وفصلي، وإليهم يحن قلبي، طال شوقي إليهم، فعجل رب قبضي إليك. حتى يغلبه النوم
- وقد كانت الجمادات فضلا عن المؤمنين تشتاق إلى رسول الله. فقد خطب الرسول صلى الله عليه وسلم إلى جذع نخلة، فلما صُنع له المنبر تحول إليه فحن الجذع، وسمع الناس له صوتا كصوت العشار [النوق الحوامل] حتى تصدع وانشق، حتى جاء رسول الله فوضع يده عليه فسكت، وكثر بكاء الناس لما رأوا به، فقال النبي: (إن هذا بكى لما فقد من الذكر، والذي نفسي بيده لولم ألتزمه، لم يزل هكذا إلى يوم القيامة). فأمر به فدفن تحت المنبر وكان الحسن البصري إذا حدث بهذا بكى وقال: يا عبادا لله! الخشبة تحن إلى رسول الله، شوقا إليه بمكانه، فأنتم أحق أن تشتاقوا إلى لقائه
- ونحن لابد لنا من أن نشتاق لرسول الله صلى الله عليه وسلم. فالمؤمن الصادق يتمنى حقيقة أن يكون قد عاش في عهده أو رآه، يتمنى رؤيته ولو لحظة
نسينا في ودادك كلَّ غال فأنتَ اليومَ أغلى ما لدينا
نلامُ على محبتكم ويكفي لنا شرفٌ نلام وما علينا
ولم نلقكم لكن شوقاً يذكرنا فكيف إذا التقينا
شوقنا للنبي صلى الله عليه وسلم نابعة من حبنا له فعلينا أن نقتدي به ونطيعه في كل أوامره فإن الحبيب لمن يحب مطيع
شرطُ المحبةِ أن توافقَ من تحبُّ على محبتِه بلا عصيان
وقد جرى حالُ المحبِّ أن يشتاق لرؤية من يعرفه ويحبه وطال فراقه، أما أن يشتاق إلى رؤية من لم يرَهُ من قبل، فهذا حال قد اقتصر على رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أتباعه من أمته، الذين أتوا بعده، ولم يرهم، فهو صلى الله عليه وسلم يود أن يلقانا، وقد قال عنا: إننا إخوانه، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (وَدِدْتُ أَنِّي لَقِيتُ إِخْوَانِي). قَالَ: فَقَالَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَوَلَيْسَ نَحْنُ إِخْوَانَكَ؟ قَالَ: (أَنْتُمْ أَصْحَابِي، وَلَكِنْ إِخْوَانِي الَّذِينَ آمَنُوا بِي وَلَمْ يَرَوْنِي)
الخلاصة
أزال الله وحشتكم، وآنس غربتكم، وسدد خطاكم،وكفرّ خطاياكم ، وجمعكم مع من تحبون وتشتاقون إليهم على خير.