فيما سبق تكلمنا عن الصمت الصمت حكمة وقليل فاعله والصمت سمت يتصف به العقلاء.
وسوف نلقي اليوم الضوء على الكلام.
فليس من البديهي أن يظل المرء صامتًا طول عمره!
فإنه لابد له أن يتكلم إن عاجلًا أو آجلًا.
فيم يكون الكلام؟
وأفضل النطق ما كان بخير.
فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: “… مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ“.رواه البخاري.
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثَلَاثَ مِرَارٍ: “رَحِمَ اللَّهُ امْرَءًا تَكَلَّمَ فَغَنِمَ، أَوْ سَكَتَ فَسَلِمَ” رواه البيهقيّ
خطورة الكلمة
الكلمة، وما أدراكم ما الكلمة.
#الكلمة مثل الشجرة إما مثمرة وإما مريضة:
ضرب الله بها مثلًا في القرآن فقال تعالى ﴿( أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ * وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ * يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ )﴾
[إبراهيم: 24-27]
#الكلمة تذهب بقائلها مذهبا لا يعلمه:
مهم جدًا للإنسان أن يفكر قبل أم ينطق، وأن يتعلم قبل أن يتكلم، فالكلمة تخرج من الفم ولا تعود إليه أبدًا.
فعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبيَّ ﷺ يَقُولُ: إنَّ الْعَبْد لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمةِ مَا يَتَبيَّنُ فيهَا يَزِلُّ بهَا إِلَى النَّارِ أبْعَدَ مِمَّا بيْنَ المشْرِقِ والمغْرِبِ.
متفقٌ عليهِ.
وَعَنْهُ عن النبيّ ﷺ قَالَ: إنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ تَعَالى مَا يُلقِي لهَا بَالًا يَرْفَعُهُ اللَّه بهَا دَرَجاتٍ، وَإنَّ الْعبْدَ لَيَتَكلَّمُ بالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ تَعالى لا يُلْقي لهَا بَالًا يهِوي بهَا في جَهَنَّم.
رواه البخاري.
وعَنْ أبي عَبْدِالرَّحمنِ بِلال بنِ الحارثِ المُزنيِّ أنَّ رَسُولَ اللَّه ﷺ قالَ: إنَّ الرَّجُلَ ليَتَكَلَّمُ بالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوانِ اللَّهِ تَعالى مَا كَانَ يَظُنُّ أنْ تَبْلُغَ مَا بلَغَتْ يكْتُبُ اللَّه لَهُ بهَا رِضْوَانَهُ إِلَى يَوْمِ يلْقَاهُ، وَإنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بالكَلِمةِ مِنْ سَخَطِ اللَّه مَا كَانَ يظُنُّ أنْ تَبْلُغَ مَا بلَغَتْ يكْتُبُ اللَّه لَهُ بهَا سَخَطَهُ إِلَى يَوْمِ يلْقَاهُ.
رواهُ مالك والترمذي وقال: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
سبحان الله!
كل هذا من الكلمة!
يا إلهي! كم من الكلمات التي خرجت من أفواهنا لا نلقي لها بالًا!
#ملاك ذلك كله:
عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ – رضي الله عنه – قَالَ: قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ وَيُبَاعِدْنِي مِنْ النَّارِ، قَالَ: “لَقَدْ سَأَلْت عَنْ عَظِيمٍ، وَإِنَّهُ لَيَسِيرٌ عَلَى مَنْ يَسَّرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ: تَعْبُدُ اللَّهَ لَا تُشْرِكْ بِهِ شَيْئًا، وَتُقِيمُ الصَّلَاةَ، وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ، وَتَصُومُ رَمَضَانَ، وَتَحُجُّ الْبَيْتَ،
ثُمَّ قَالَ: أَلَا أَدُلُّك عَلَى أَبْوَابِ الْخَيْرِ؟ الصَّوْمُ جُنَّةٌ، وَالصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ كَمَا يُطْفِئُ الْمَاءُ النَّارَ، وَصَلَاةُ الرَّجُلِ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ، ثُمَّ تَلَا: ﴿ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ ﴾ [السجدة: 16] حَتَّى بَلَغَ ﴿ يَعْمَلُونَ ﴾ [السجدة: 17]،
ثُمَّ قَالَ: أَلَا أُخْبِرُك بِرَأْسِ الْأَمْرِ وَعَمُودِهِ وَذُرْوَةِ سَنَامِهِ؟ قُلْت: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: رَأْسُ الْأَمْرِ الْإِسْلَامُ، وَعَمُودُهُ الصَّلَاةُ، وَذُرْوَةُ سَنَامِهِ الْجِهَادُ،
ثُمَّ قَالَ: أَلَا أُخْبِرُك بِمَلَاكِ ذَلِكَ كُلِّهِ؟ فقُلْت: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ، فَأَخَذَ بِلِسَانِهِ وَقَالَ: كُفَّ عَلَيْك هَذَا. قُلْت: يَا نَبِيَّ اللَّهِ وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ؟ فَقَالَ: ثَكِلَتْك أُمُّك وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ عَلَى وُجُوهِهِمْ -أَوْ قَالَ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ- إلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ؟!“.
رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح
فالكلمة لها مخاطر كثيرة لو لم ينتبه المرء لكلامه ويفكر فيه.
وكذلك للكلمة نفع قد لا يدرك الإنسان مداه!
وتستطيع الكلمة أن تفعل ما لا يستطيع فعله بعض التصرفات.
الكلمة الطيبة لها أثر جميل في نفوس سامعيها، فلا تبخلوا بالكلمة الطيبة مهما كلّف الأمر.
تخيل كم كلمة أراحت نفوس، وكم كلمة كسرت قلوب.
تخيل كم كلمة رفعت من همة أحدهم، وكم كلمة نكّست آخر.
كم كلمة كسرت خاطر، وكم كلمة جبرت خواطر.
فوائد ملاحظة الكلام
قال تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71].
يا الله!
بمجرد تقوى الله التي تؤدي للقول السديد؛
–ينصلح الحال،
-وتُغفر الذنوب،
–ونفوز الفوز العظيم!
الخلاصة
فكر في الكلام قبل أن تُخرجه من فمك، فالكلمة التي تخرج لا تعود.
والكلمة التي تجرح لا تداوي حتى وإن مر الزمان عليها، ولكن يبقى أثرها عالق في الذهن ينغص على من قيلت له حياته، حتى وإن قيل بعدها كلام مناقض! ولكن هيهات… سيظل صدى الكلمة يتردد في ذهنه مرارا وتكرار…
هلا استوعبنا وهلّا تمهلنا وهلّا انتقينا كلامتنا قبل النطق بها؟!
لا تنزعوا حُسن أعمالكم وأفعالكم بسبب سوء ألفاظكم وكلماتكم.
احرصوا على مشاعر غيركم.
داوموا على المعروف بينكم…
سلمنا يارب من شر الكلمات، واحفظ لساننا عن الهفوات، واغفر لنا ما مضى وما هو آت.