آلله أمرك بهذا يا إبراهيم؟ إذن فلن يضيعنا.
هكذا كان رد السيدة هاجر علي سيدنا ابراهيم عليه السلام حين تركها هي وابنها الرضيع في الصحراء القاحلة.
فلقد أمر الله سيدنا إبراهيم أن يترك زوجته هاجر في الصحراء هي وابنها اسماعيل عليه السلام.
من هي السيدة هاجر؟
هي أم إسماعيل -عليه السلام- أكبر أبناء سيدنا إبراهيم عليه السلام.
كانت هاجر إحدى الأميرات المِصرية، ولكن حدث أن أغار عليهم أحد الغُزاة، فأصبحت أسيرة عندهم.
لما ذهب سيدنا إبراهيم مع زوجته سارة إلى مصر، كان هناك أحد الملوك الطغاة الذي طمع في السيدة سارة، لكنه فشل في أن ينالها بستر من الله. فأهدى هذا الملك للسيدة سارة أجمل الجواري عنده والتي كانت السيدة هاجر المأسورة عنده.
وسافر سيدنا إبراهيم برفقة السيدة سارة زوجته والسيدة هاجر.
وكانت السيدة سارة عقيم لا تنجب. فلما وصلوا إلى بيت المقدس؛ طلبت السيدة سارة من سيدنا إبراهيم أن يتزوج من السيدة هاجر حتى يرزقه الله بولد، فتزوجها، وأنجبت له النبي إسماعيل عليه السلام.
الفراق
ذهب سيدنا إبراهيم بهاجر من بيت المقدس إلى حيث أمره الله.
كانت السيدة هاجر تملؤها الدهشة من موقف سيدنا إبراهيم، فكيف يترك امرأة وابنها الرضيع في هذا المكان! وأي امرأة هي … إنها زوجته وابنه فلذة كبده الذي جاءه على كبر.
قالت له السيدة هاجر هذه الكلمات اللي خلدها التاريخ: يا إِبراهيم أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي الذي ليس فيه أنيس ولا شيء؟ فقالت له ذلك مرارا، وجعل لا يلتفت إِليها،
فقالت: آلله أمرك بهذا يا إبراهيم؟
فقال سيدنا إبراهيم: نعم.
فقالت: إِذًا لاَ يُضَيِّعُنا.
ثم رجعتْ وقد ذاب كل الخوف والقلق والرعب بمجرد سؤالها وعلمها أن هذا الأمر من الله. وبذلك تكون قد ضربت لنا أروع وأصدق مثال على الثقة بالله. وهكذا تحول كل هذا الخوف إلى اطمئنان.
فتركها سيدنا إبراهيم، وأخذ يدعو لهم الله: (( رَّبَّنَآ إِنَّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مَّنَ النَّاسِ تَهْوي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ )).
استجابة الدعاء
ولقد استجاب الله لدعاء سيدنا إبراهيم.
حيث أخذت السيدة هاجر تبحث عن الماء بين الجبال، وطفلها يكاد يفارق الحياة من شدة الظمأ، وأخذت تسعى بين جبلي الصفا والمروة ذهابا وإيابا، حتى جاء نصر الله!
أرسل الله سيدنا جبريل ليخرج لهم ينبوع من الماء تحت أقدام طفلها، فتشرب وترتوي هي وابنها. بل يأتي إليهم أفواج من الناس بسبب هذا الماء ويسكنوا بجوارها. وتصبح الأرض القاحلة؛ عامرة بدعوة سيدنا ابراهيم وثقة السيدة هاجر في الله أنه لا يضيعها.
الثقة في الله
فوالله لو وزنت ثقة السيدة هاجر في الله وتوكلها عليه بثقة الأمة الآن لرجحت كفة السيدة هاجر.
فمن منا يُترك في مكان هكذا بلا مقومات حياة ومعه طفل وكفاه فقط أنه أمر الله ويكون بهذا القدر من الإيمان والثقة!
تجد الشخص منا خوفا على مبلغ من المال؛ يضيع صلاته…
تجد الشخص منا خوفا من عدم قضاء مصلحة؛ يرشي ويرتشي.
تجد الشخص منا خوفا من غير الله؛ يشهد شهادة زور.
تجد الشخص منا خوفا من نقص ماله؛ يبخل ولا يزكي ولا يتصدق… إلخ
فهذه السيدة هابت من تدبير البشر، لكنا لما علمت أنه تدبير الله؛ لم تهب من شيء، ولم تخش شيئا، غير أنها توكلت على الله حق التوكل.
فقدمت أروع الأمثلة فى الطاعة فاستحقت المكافأة الإلهية بأن وفاها الله … وأجزل فضله عليها…
فعطر ذكرها،
وأعظم ذكراها،
ودفنها بجوار بيته،
وآنسها فى وحشتها،
ورزقها وطفلها من حيث لا تحتسب،
وتحول مكان سعيها بين الصفا والمروة إلى ركن من أركان الحج،
وجعل خاتم الأنبياء والمرسلين وأفضل الخلق أجمعين محمد، صلى الله عليه وسلم، من نسلها المبارك.
الدروس المستفادة
1- الثقة بالله هي مفتاح النجاة.
فلنجدد جميعا ثقتنا بالله وأنه لن يضيعنا وأننا جميعا تحت لوائه وتحت رحمته
2- أن السيدة هاجر أعطت درساً في غاية الاهمية لنساء هذة الأمة وهو الطاعة. فقد أطاعت زوجها بدون تردد وهذا ما يجب أن تكون عليه المرأه المسلمة والزوجة المؤمنة الصالحة.
3- التوكل والسعي والأخذ بالأسباب.
فقد كان السعي بين الصفا والمروة للتذكير بالبحث عن الأسباب.
4- النصر يأتي من حيث لا يخطر على بال.
فممَّا نتعلمه من السعي بين الصفا والمروة أنك قد تطرق أبوابًا للرزق في جهة، والله قد كتب رزقك في جهةٍ لا تخطر لك على بال!!
وهذه هاجر عليه السلام كانت تريد أن تروي عطش رضيعها فأعطاها الله بئر زمزم!!
كما الماء الذي جاءها نبع من تحت أقدام سيدنا إسماعيل عليه السلام ولم يأتي من ناحية الصفا أو المروة.
قد يأتي الفرج من جهة أخرى غير التي سعينا فيها، لأن الأمر ليس بما نريد، ولكننا نسعي ونأخذ بالأسباب حتى نستحق هذا الفرج.