كان فى قريتنا الحاج عبداللاه بركات والحاج عبداللاه عبدالنبي…
الأول، كان تربطة صلة قرابة مع والدتي، وكان رجل ميسور إلى حد ما، ومعروف عنه مساعدة الفقراء، بالإضافة إلى فك زنقة المتعثرين ماديا… ( فكان يسلف المتعثر في تجارة أو غيرها ثم ينتظر سداد الناس له ).
والثاني، كان تاجر معروف في القرية. كان عنده محل ( مينى ماركت ) يبيع أدوات منزلية وبعض المأكولات والشاي والسكر والزيت والصابون. بالإضافة إلى أنه كان مسئول التموين الشهري فى القرية (بعض السلع المدعمة من الحكومة لبعض فئات المواطنين ).
وكانت تربطه صلة صداقة مع والدي على نطاق الأسرة وتبادل الزيارات والمناسبات وتبادل الهدايا بين الأسرتين …..الخ …
سلف ودين
ذات مرة، جاء الحاج عبداللاه عبدالنبى إلى منزلنا، وطلب من والدتي 10 جنيهات ليستلم بها التموين؛ فأعطته والدتي المبلغ. وبعدها بيومين رجع المبلغ في موعده.
واستمر هذا الحال لسنوات ياخذ الـ 10 جنيهات وبعد يومين أو ثلاثة يرجعها …
التأخر في السداد و الخطأ في المطالبة
وفي مرة تعثر وتأخر في ارجاع المبلغ لأكثر من أسبوعين لسبب ما لا نعرفه.
فقالت لي والدتى اذهب إلى جدك الحاج عبداللاه – ولم تحدد لى عبدالنبى أم بركات – وقل له والدتي تريد الـ 10 جنيهات الخاصة بها …
فذهبت أنا إلى الحاج عبداللاه بركات بدل من الحاج عبداللاه عبدالنبي … لأنه هو من جاء على بالي بأنه هو الشخص المطلوب باعتبار صلة القرابة المعروفة…
كان الرجل مريضا ونائما على السرير، ومن حوله زوجته وأولاده وأخواته وبعض أفراد أسرته … وكان الموقف كأنه مرض موته …
دخلت بثقة وجرأة وبدون مراعاة لطبيعة الموقف – نظرا لسذاجة الطفولة التي كنت عليها – وقلت له: يا سيدي الحاج، أمى تخبرك بأن تعطيها الـ10 جنيهات الخاصة بها!
فنظر إليّ هو ونظر إليّ كذلك كل الحضور بنظرات استغراب ودهشة، ولولا معرفتهم بي و بوالدتي ما صدقوا …
فسأل عني من حوله: ابن من هذا؟
فقالوا له: فلان ابن فلان ابن فلانة …الخ
فقام الرجل بصعوبة تامة، وأخرج من تحت مرتبة سريره المحفظة المالية الخاصة به، وأخرج منها 10 جنيهات قطعة واحدة، وناولها لزوجته، وقال لها: اعطيها له …
أخذت أنا المبلغ وقلت له: شكرا يا سيدى وعجل الله بشفائك…
وانصرفت بسرعة، وعدت إلى المنزل، وأعطيت الـ 10 جنيهات لوالدتي، وانصرفت كعادتي لكي ألعب مع أقراني في الشارع …
من يرد الخير لا يضيع ماله
مرت فترة حوالى شهر. وجاء إلى منزلنا الحاج عبداللاه بركات، وسلَّم على من فى البيت بما فيهم أمى والتى قد علمت بمرضه مسبقا وقامت بزيارته، ولكن لم يتم فتح أي حديث بخصوص الـ10 جنيهات هذه …
قالت له أمي: حمدا لله على سلامتك يا عم الحاج، وأثنت عليه ببعض كلمات الثناء المتعارف عليها فى القرى وخاصة بين الأقارب، وقالت: اجلس لكى اعمل لك كوب من الشاي أو فنجان قهوة …
فقال لها: شكرا، ولكن جئت لأسأل عن الـ 10 جنيه التي أرسلتِ ابنكِ من حوالي شهر … أريد فقط أن أطمئن أنها قد قضت المصلحة أو أنكِ ربما تحتاجين مبلغا آخر…
فقالت والدتي مستغربة: هو ابني أخذ الـ 10 جنيه منك!! قال: نعم …
فقالت له: لو سمحت اجلس حتى نرى هذا الموضوع.
فنادت عليّ ،وقالت: هل أنت أخذت الـ 10 جنيه من جدك الحاج عبداللاه بركات؟!
قلت لها: نعم. ألم تقولين لي إذهب إلى سيدك الحاج عبداللاه وهات منه الـ 10 جنيه؟؟!!
فضحكت ضحكة فيها من الذهول و الخجل والكسوف والغضب ما فيها…
وقالت لي: أنا قلت اذهب إلى الحاج عبداللاه وكنت أقصد عبداللاه عبدالنبي، وليس عبداللاه بركات…
قلت لها: أنتِ لم تحددي لي أي من الحاجين!
فضحت مرة ثانية، وقالت لي: اذهب بسرعة الآن الآن إلى الحاج عبداللاه عبدالنبي وقل له لو سمحت هات الـ10 جنيهات الخاصة بأمي الآن…
أكدت عليّ أمي ألا آتي إلا بها أو به هو شخصيا …
وقالت للحاج بركات اجلس ولا تمشِ حتى ترى بعينك سوء التفاهم الذي حصل واعتذرت له على سوء فهم الطفل… كما أبدت اعتذارها عن نفسها لأنها لم تحدد للطفل ]ى الشخصين كانت تقصد…
المواجهة والإعتذار
ذهبت مسرعًا إلى الحاج عبداللاه عبدالنبي،
وقلت له: سيدى الحاج! أمى تقول لك هات الـ 10 جنيهات التي عليك…
قال لي: حاضر، إذهب أنت وأنا آتي بعدك…
قله له: أمي أكدت عليّ أنه لازم آخذ الـ 10 جنيهات أو تأتى أنت شخصيا معي البيت، لأنه حدثت مشكلة كبيرة لها بسبب هذا الموضوع.
فخرج الرجل معي وفى جيبه الـ 10 جنيهات.
وصلنا إلى البيت،
وقلت لأمي مغضبا، وبصوت عالٍ، يملأني شعور الإرتباك والحيرة: هذا هو الحاج عبداللاه عبدالنبى وهذا هو الحاج عبداللاه بركات واصطفوا مع بعض!!
وجلست على جانبٍ ارتقب الحوار …
فقال عبد النبي: أنا آسف جدا، فلم أتمكن من المجيء في الموعد المحدد، وذلك لظروف حدثت لي، وها هى الـ 10 جنيهات وشكرا على صبرك عليّ كل هذه الفترة … فحكت له أمى القصة كاملة، فتأسَّف الرجل كثيرا واعتذر، وكذلك اعتذر للحاج بركات لما قد يكون أصابه من ضرر بسببه…
فقال الحاج بركات ضاحكا: لولا أن جئتُ أنا لكانت الـ 10 جنيهات قد ماتت بين الأطراف …
فضحكوا جميعًا، وشربوا الشاي، وانصرف الجميع …
الخلاصة،،،
- لابد لنا أن نحدد موعدا للسداد في موضوع الدين والإستلاف.
- إن تعثرت في السداد؛ لا تتهرب من الشخص الذي أنت مدين له.
إنما أن تكون واضحا وعندك شفافية بأن توضح الظروف المحيطة بك.
أن تتحدث معي وتحرج مني؛ خير من أن تتجاهلني وتهملني. - لابد لنا من الوضوح في الطلب… فلا تتوقع أن يقرأ الناس أفكارك … فإن تحدثت بحديث يحتمل أكثر من معنى بدون تحديد منك أو تخصيص؛ فلا تلم الطرف الآخر على فهمه.
- لابد لك إن طلب منك أحد طلب يحتمل أكثر من معنى؛ أن تطلب التوضيح.
ربما يكون الشخص مشغول أو غير مركز فيطلب منك شيئا وأنت تنفذ شيئا آخر فيضيع الوقت بسبب ذلك.
فلا بأس أن تعيد كلام السائل وتوضح له ما فهمت منه حتى تتأكد من فهمك لكلامه فهما صحيحا. مثلا: أنا فهمت أنك تريد كذا وكذا من عند كيت وكيت… صحيح؟