اليقين على أنه لا إله إلا الله
عندما أخذ موسى قومه الذين آمنوا معه والمستضعفين منهم و عندما لحقهم فرعون وجنوده إلى أن وصلوا الى البحر …
وراءهم فرعون وجنوده يريدون هلاكهم جميعا …
وأمامهم بحر فسيح لا يمكنهم العبور منه…
بالفكر البشري الإنسان بالمنطق يقول لا خلاص من هذا، لا مفر،
ولكن هنا نرى سيدنا موسى عليه السلام عندما قال قومه ((إِنَّا لَمُدْرَكُونَ)) ؛ قال لهم فورا وبدون تردد ((كلا…))
سيدنا موسي لا يعلم ما هو المخرج ولكنه عالمٌ بأن له ربٌ لا إله إلا هو، رب قوي، ربٌ قدير، فقال: (( كَلا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ)) …
لننظر الي صدق اليقين هنا على أنه لا إله إلا الله…
لما صدق يقينه، وتوكل على الله بقلبه ووجدانه؛ أدرك عندها أنه لا شئ يقف في طريقه مهما كان بشر أو حجر أو أي مخلوق.
ماذا كانت نتيجة ذلك اليقين؟
( فَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ ۖ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ (63) وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ (64) وَأَنجَيْنَا مُوسَىٰ وَمَن مَّعَهُ أَجْمَعِينَ)
بصدق اليقين انفلق له البحر نصفين،
بصدق اليقين نجى الله موسى ومن معه من موقف لا مفر منه ولا مخرج إلا اليقين على أن الله هو الفعّال،
فهل يعجز الله -حاشاه سبحانه- أن يحقق لك ما تريد، وأن يخرجك من همومك، وأن تنجح في حياتك، وأن يعطيك مسألتك والله لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء!
إذن؛ لا بد لنا من تشرب هذه الصفة بحق لكي نفلح في الدنيا ونفوز في الآخرة فهي ليست مجرد صفة منجية في الدنيا والآخرة، بل هي أسلوب حياة.
ما هو اليقين على أنه لا إله الله؟
يقول الله عز وجل في كتابه العزيز:{ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ }
إذا نظرنا في هذه الاية نظرة متدبر وليس نظرة قارئ فقط ندرك مدي اهمية الفكره المطروحة فيها؛
ندرك المعنى الأساسي من الحياة ومقصدنا فيها ؛
لأن الله تعالى يخاطبنا جميعاً في هذه الآية، وأعلمنا أن هدفنا الذي وجدنا من أجله في هذه الحياة هو العبادة والإذعان والاستسلام لأوامر الله، وإتباع أوامره واجتناب نواهيه.
فاليقين على أنه لا إله إلا الله؛ أي أنه لا معبود بحق سواه. لا ملجأ إلا إليه، ولا منجا إلا به.
لماذا اليقين على أنه لا اله الا الله ؟
لأنه الوحيد المستحق للعباده وأنه الرب الرحيم بعباده يجازيهم بكرمه وفضله و يعاملنا بالعدل والجود و يغدق علينا من النعم ما لم نطلب.
فإذا نظرنا إلى أنفسنا على سبيل المثال لا الحصر -كما أمرنا الله تعالى: ( وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ )- نجد لنا لسان يتحدث و رجل تمشي نحركها كيف نشأ وبها من العضلات ما لها من وظائف مخصوصة و المفاصل التي لها اتجاهات معينة ومدارات محددة لكي تخدم تحركنا وفيها من التفاصيل الدقيقة التي إذا نظر إليها الإنسان بنظرة تفكر لعلم أن ما هذا إلا صنعُ قدير، ولعلم أنه صنعٌ محكم كما قال سبحانه وتعالي: ( الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ).
وغيرها من النعم التي لا حصر لها وهذا في إطار( وَفِي أَنْفُسِكُمْ ) فما بالك بغيرها من النعم , من الستر و العافيه و الحفظ من المصائب و غيرها الكثير.
عندها نتيقن حق اليقين بقوله تعالى: ( وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ۗ إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ ) ، ومع إنعامه علينا وتكرمه فهو يكرمنا ايضا بنعمة العفو والمغفرة ، فهو يغفر زلاتنا و يعفو عن سيئاتنا فهل بعد كل ذلك نعبد رباً سواه !
هل بعد كل ذلك نلجأ إلى احدٍ غيره ! هل بعد كل ذلك نعتمد على البشر ولا نفوض امرنا كله لله !
هدف اليقين بأنه لا إله إلا الله
و من هذا نعرف أن تكليف الله للعباد أراد به صلاحَهم العاجل والآجل، وحصولَ الكمال النفسي بذلك الصلاح،
فلا جَرم أَنَّ الله أراد من الشرائع كمال الإِنسان وضبطَ نظامه الاجتماعي في مختِلف عصوره لذلك أمرنا بالعبادة له وحده والتسليم على أنه لا إله إلا هو.
ولابد لنا أن نعمل على توفير حاجاتنا الدنيوية ولكن بفكر العبادة واليقين أن الله هو المتصرف الوحيد فيها.
الخلاصة
إذن لابد من صدق اليقين على أنه لا اله الا الله،
واليقين على قدرة الله وقوته،
والثقة التامة أننا إن صدق يقيننا بحق؛ سيجازينا الله على صدق نيتنا.
عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال : قال النبي – صلى الله عليه وسلم – : يقول الله تعالى :
(( أنا عند ظن عبدي بي ، وأنا معه إذا ذكرني ، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ، وإن ذكرني في ملإ ذكرته في ملإ خير منهم ، وإن تقرب إلي بشبر تقربت إليه ذراعا ، وإن تقرب إلي ذراعا تقربت إليه باعا ، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة ))
رواه البخاري ومسلم .