قصتنا اليوم تتحدث عن أحد أهم أعمدة الدعوة إلى الله… كيف لا وهو المختار خليلاً له عز وجل.
فعندما نقول خليل الله؛ نعرف أننا نتحدث عن نبي الله إبراهيم.
ةقبل أن نستعرض تاريخه عليه السلام مع الدعوة فلنتعرف أولاً عليه.
من هو إبراهيم عليه السلام؟
هو خليل الله وأبوالانبياء وأحد أولي العزم الخمسة.
سيدنا إبراهيم عليه السلام يندرج من نسل سيدنا نوح عليه السلام …
وهو عم سيدنا لوط عليه السلام…
إبراهيم عليه السلام مع عبدة الاصنام:
ولد إبراهيم عليه السلام في قرية كانت مشهورة بعبادة الأصنام، بل وتصنيعها، وتسميتها، ومن ثم عبادتها.
وعلى الرغم من صغر سن سيدنا ابراهيم حينها، إلا أنه كان يرى أن هذا اللاهتمام بهذه الأصنام أمر سئ، ويراه غير مجدي، و يرى أن هذه الأصنام
ليست بآلهة. فهي لا تنفع ولا تضر، وبالتالي لا يجب عبادتها.
كان سيدنا إبراهيم ذكيا جدا، وكان يريد معرفة الإله الواحد الأحد الذي خلق كل هذا الكون، وليست الأصنام التي يتم صناعتها.
وإنكاره عبادة الأصنام لم يدفعه إلى أن يصب غضبه ورفضه على والده وأمثاله، بل كان يتمتع بقدر عالى جدا من الحكمة والصبر.
وهذا يتضح لنا من خلال الحوار الذي دار بينه وبين والده عندما باشر دعوته.
الأساليب التي اتبعها عليه السلام في دعوة أبيه:
بدأ سيدنا إبراهيم دعوته لأبيه بالقول اللين والخطاب الجميل، وليستثير عطفه ويمس شغاف قلبه؛ كرر نداءه أربع مرات متتالية…
- سأله عن عكوفه على عبادة الأصنام مع عجزها. ( إذ قال لأبيه يا أبت لم تعبد مالا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئاً)
- توسل إليه أن يتبعه فهو مع صغره أوتى حظاً من العلم لم يصل إليه. (يا أبت إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك فاتبعني أهدك صراطاً سوياً)
- أبان له أن الانقياد للأصنام عبادة للشيطان وهو عدو لا يرشد إلى خير. (يا أبت لا تعبد الشيطان إن الشيطان كان للرحمن عصياً)
- خوفه من سوء المصير في أدب واستعطاف فلم يصرح بأن العذاب لاحقه وإنما أعلن خوفه عليه. ( يا أبت إني أخاف أن يمسك عذاب من الرحمن فتكون للشيطان وليا).
لكن آزر تجاهل نبوته وأنكر عليه نصحه.
(قال أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم لئن لم تنته لا رجمنك واهجرني مليا)
قابل إبراهيم تهديد أبيه بصدر رحب، وتلقى وعيده بنفس مطمئنة، وأجاب بما يدل على البر وإخلاص النصح.
(قال سلام عليك سأستغفر لك ربي إنه كان بي حفياً وأعتزلكم وما تدعون من دون الله وأدعو ربي عسى ألا أكون بدعاء ربي شقياً).
الأساليب التي اتبعها عليه السلام في دعوة قومه:
- استدرجهم إلى المجادلة والمحاورة ليحملهم على الإقرار بارتكاب الجرم والاعتراف باقتراف الذنب فسألهم (ما تعبدون؟ قالوا نعبد أصناماً فنظل لها عاكفين)
- بين لهم فساد اعتقادهم، ونقد زائف آرائهم. (قال هل يسمعونكم إذ تدعون أو ينفعونكم أو يضرون؟).
- أوهن أساس عبادتهم وأوضح بطلانها حتى اعترفوا في أنفسهم بعجز الأصنام وتقليد الآباء. (قالوا بل وجدنا آباءنا كذلك يفعلون).
- أعلن عداوته لمعبوداتهم فلو كانت تملك شيئاً لنالت منه. ثم أظهر لهم صفات الإله الحق ليلمسوا الفرق الواضح الجلي. (قال أفرأيتم ما كنتم تعبدون أنتم وآباؤكم الأقدمون فإنهم عدو لي إلا رب العالمين الذي خلقني فهو يهديني والذي هو يطعمني ويسقيني وإذا مرضت فهو يشفيني والذي يميتني ثم يحيين والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين).
- رماهم بالبعد عن التفكير الصحيح والوقوع في ضلال التقليد، فقال: ( لقد كنتم أنتم وآباؤكم في ضلال مبين)
- ثم انتقل سيدنا إبراهيم عليه السلام إلى أسلوب آخر في التعامل معهم وذلك برغبته في أن يكونوا متجمعين في مكان واحد ليقيم الحجة عليهم. فكسر أصنامهم فلما رجعوا من عيدهم ( قالوا من فعل هذا بآلهتنا يا إبراهيم؟ قال بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم إن كانوا ينطقون).
ضعفهم بالحجة الدامغة. فأطرقوا رؤوسهم مفكرين. ثم شهدوا على أنفسهم وآلهتهم بالعجز. فلقد ظهر الحق وزهق الباطل.
وعلى الرغم من ذلك؛ كبريائهم منعهم من الإذعان له، والاستسلام لحجته. فأرادوا يأخذوا بثأر أصنامهم، ويعاقبوه على فعلته. (قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ )
المعجزة الإلهية:
أختاروا أن يحرقوة نصرة لأصنامهم.
ولكن الله سبحانه وتعالى جعل كيدهم في نحرهم، وأيد نبيه بمعجزة أذهلت الجميع.
فحال بينهم وبين الأذي الذي أرادوا أن يلحقوه بخليله عليه السلام.
(قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيم وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ).
الدروس المستفادة من القصة:
1- ضرورة الصدع بالحق: فما النفع إن كان الإنسان يعلم الحق ويخفيه؟
فهذا إبراهيم صدع بالحق ووقف بوجه قومه وأبيه.
2- اتخاذ الأساليب يكون حسب رؤية الداعية.
فأسلوب إبراهيم اختلف بين قومه وأبيه.
فهو مع قومه كان في العموم أشدَّ منه مع أبيه. حيث رقَّق في بعض المواقف خطابه لأبيه تألُّفًا له وتليينًا لقلبه.
3- كل من يحمل دعوة فإنه معرّض للخطر والإيذاء.
فهذا إبراهيم قد حاربه قومه وآذوه وشتموه وانتهى بهم المطاف لرميه في النَّار.
4- الصبر على الدعوة.
فلا ينبغي للداعية ترك الدعوة إن رأى قومه لا يستجيبون له. وهذا ما قام به إبراهيم حين هدَّده أبوه فأجابه إبراهيم: {سلام عليك سأستغفر لك ربي}.
5- الهداية من عند الله تعالى.
فعلى الداعية أن يدعوَ إلى الله؛ وعلى الله الهداية.
فرغم كلِّ محاولات إبراهيم لهداية أبيه إلا أنَّ أباه رفض دعوته، وتكبَّر عليها.
6- جاهزيّة الداعية للرَّدِّ على دعوات المبطلين وشبهاتهم بما يتوفَّر له من أدوات وطرق للإقناع.
فإبراهيم حاول التوجُّه بخطاب عقلاني للقوم. ثم بعد التكذيب حاول تغيير الواقع بيده عبر تكسير الأصنام.
قال تعالى: {وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ} .
7- دِينُ المسلم أعظم من الأرحام والأحباب والمكاسب.
فإن خُيِّر المسلم بين دينه ودنياه فعليه اختيار الدِّين لأنَّ فيه صلاح دنياه وآخرته، وهذا ما فعله إبراهيم.