شخصيات لا تنسى في حياتي ... محمدين

شخصيات لا تُنسى في حياتي (محمدين)1 دقيقة للقراءة

تمر عليك فى مسيرة حياتك شخصيات منها ما يترك أثر، ومنها ما تستفيد منهم، ومنها ما يمر عليك مر الكرام ...

شخصيات  فى  حياتى لا تنسى …محمدين

تمر عليك فى مسيرة حياتك شخصيات منها ما يترك أثر، ومنها ما تستفيد منهم،  ومنها ما يمر عليك مر الكرام …

شخصية اليوم هو الأستاذ محمدين وهو محامي متميز حاليا.

تعرفت عليه فى فترة الخدمة العسكرية بالقاهرة وقتما كنا حديثي التخرج.

وهو شخصية مميزة معجونة بالطابع والملامح والهيئة والشهامة والرجولة …. الصعيدية..

بداية التعارف

فى فترة التدريب؛ كانت هناك فترة استراحة. منا من يشرب الشاى، ومنا من يدخن سيجارة ….الخ

وفى أحد المرات، لفت نظره أنى جالس لوحدي أشرب الشاى، فألقى علي السلام، ودار الحديث التالي ..

قال: أخوك محمود محمدين من سوهاج.

 فقلت: اهلا وسهلا بكم. وعرفته بنفسي. فمد يده وأعطانى سيجارة. فأخذتها وأشعلتها، وتبادلنا أطراف الحديث.

وقبل أن ننتهي؛ نادى الصول لمواصلة التدريب، فقلت له للحديث بقية ………

وفى اليوم التالى؛ كان كل واحد منا يبحث عن الآخر. فتقابلنا، فعزمت عليه أنا هذه المرة بواحد شاى وسيجارة.

وبدأ كل واحد منا يتحدث ويعرف نفسه. والميزة فى الأستاذ؛ أنني عندما أتحدث لا يقاطع، ويعطى لكل كلمة أهمية.

وعندما أدركت ذلك؛ رحت أتحدث قليلا لكى أتيح له الفرصة فى التحدث. وكنت لا أقاطعه.

وعندما فهم ذلك؛ أصبح هو أيضا يتحدث القليل القليل حتى يتيح لي الفرصة فى التحدث …

بعد أول وثانى وثالث لقاء، وكل لقاء كان لا يتعدى النصف ساعة تقريبا، عرف كل منا شخصية الآخر تقريبا …

وفي نهاية الأسبوع (خميس وجمعة) وبعد أن علم أنني من أبناء القرية ولست من أبناء القاهرة؛ قال لي: أين ستقضي هذه العطلة؟

قلت له: لي ابن عم يقيم فى القاهرة وسأبيت معه هذان اليومان.

فقال: أنا أقيم فى القاهرة لوحدى. فلو شئت؛ تعال معي ودع أسرة ابن عمك تاخذ راحتها.

فقلت له: إنها أول أجازة، ولا بد وأن أذهب هناك لانه ابن عمي، وزوجته كذلك بنت عمي، وكانت لى معزة خاصة عندهما لأنهما يقضيان الأجازة الصيفية عندنا كل عام في القرية. …وإن شاء الله الأجازة التالية نقضيها معا …

وبالفعل، ذهبت إلى ابن عمي وقضيت معه هذان اليومان و قبل أن أتركه هو وزجته تحدثت معهما في ذلك الأمر، وقلت له أنني في الأجازة القادمة سأقضيها مع محمدين في مكانه …

رجعنا السبت الصباح. وبالصدفة تقابلنا على بوابة دخول المعسكر. فتبادلنا التحيات، وسأل كل منا الآخر كيف قضى عطلته.

فقال لى: غسيل وطبيخ ونوم …

وأنا قلت: ساعدت ابن عمي فى المشتريات، وذهبنا لصلاة الجمعة فى مسجد الحي المشهور، وأخذنى الأولاد فى جولة في الأماكن الشعبية مثل خان الخليلى والمسكى…. لأنى حديث العهد فى القاهرة …

انتهى حديث الصباح بوصولنا إلى غرفنا. و بدأنا الاستعدادات للتدريب من جديد.

ودار الحديث طوال الأسبوع عن الحياة، والدراسة، والكلية …

إلى أن جائت نهاية الاسبوع. فكرر دعوته لى أن نذهب سويا إلى مكانه.

فقلت له: نعم أوافق. وإنى قد أبلغت ابن عمى بذلك …

ومن هنا بدأت التعرف على محمدين الحقيقي!

شخصية غريبة

خرجنا من المعسكر، وقبل أن نصل إلى موقف الاوتوبيس، قال لي: تعالى نتغدى لاني جوعان.

دخلنا مطعم وأكلنا. فلما هممت بدفع الحساب؛ لم أجد أي معارضة منه! 

كان هذا شيء غريب! لأننا في عاداتنا وتقاليدنا؛ إذا أكلت مع شخص في مكان عام؛ لابد ذوقيا أن يهم كل منا لدفع الحساب بدلا من الآخر. ولابد من المشاجرة على هذا الشأن حتى ينتصر الأكثر إصرارا. وبذلك يشعر الشخص بأنه صاحب ذوق و واجب.

والشخص الآخر بالتالي يحاول أن يرد هذا الجميل في موقف آخر، وهكذا يكون الود أخذ وعطاء بين الأشخاص. هذا ما تعودت عليه. فلما لم يقم بأي معارضة؛ استغربت لكن تجاهلت استغرابي مؤقتا.

انصرفنا إلى محطة الأتوبيس. نزلنا إلى مكان آخر.  فقال لى: نشرب شاي حتى نهضم ما أكلناه.

قلت له: نعم. فكرة ممتازة.

دخلنا مقهى، وشربنا الشاى. وكذلك فعلت نفس الشئ الذي أنا معتاد عليه وهو أن أهم بدفع الحساب. ودفعته بالفعل، ولكن كذلك لم أجد منه أى معارضة!

انصرفنا إلى محطة الأتوبيس الأخرى، وركبنا  الأتوبيس المطلوب، ونزلنا آخر المحطة.

ترجلنا إلى مسكنه.

و في الطريق؛ مررنا بسوق الفاكهة والخضار. فقال لي: نشتري بعض الفاكهة والخضار.

قلت له: نعم.

اشترينا عنب وموز  وخوخ …. بسلة وبطاطس وكوسة …الخ

وهممت كذلك بدفع الحساب. وهو كما هو لا يبدي أي معارضة أو مقاومة تذكر!

إزداد استغرابي جدا. فأنا لم أقابل شخصية مثل هذه من قبل في حياتي. 

أي مكان عام أذهب إليه مع أي صديق، لابد من مشاجرات ومدافعات ومرافعات على من يدفع الحساب لمن. ومع هذا الشخص الأمر هادئ وبسيط ولا يوجد أي تعقيدات! 

جدير بالذكر، أنني لم يخطر على بالى أى شئ سلبي تجاه عدم معارضته. ولم افكر انا فى أى شيئ مما يدور فى أذهانكم الآن من أنه قد يكون مستغل لي وما إلى ذلك. فقد كان يملأني شعور أنني أريد أن أكرم هذا الشخص قدر استطاعتي فقط لأنني أحببته في الله.

ولكن كان فقط يملأني شعور الإستغراب. لأنني كما قلت لم أتعامل مع شخصية مثل هذه من قبل.

الحفاظ على الصديق بأفضل طريق

المهم… 

تقاسمنا حمل المشتريات، وذهبنا إلى المنزل. كان قريبا إلى حد ما من المحطة وسوق الخضار.

دخلنا البيت وكان في الدور الثاني. وهو عبارة عن غرفتين وصالة ومطبخ ولكن من الحجم المتوسط.

وضعنا المشتريات فى المطبخ، وقال لي: أنت متعب ومرهق، اغتسل إلى أن أقوم أنا بتجهيز الشاي.

وبالفعل، دخلت اخذت دوش متين، وخرجت.

جلسنا في الصالة على الأرض المفروشة بسجادة. وأمامنا الشاى والماء المثلج.

فوجدته يخرج كراسة وقلم، وقال لي: مرحبا بك فى بيت أخيك.

قلت له: شكرا جزيلا…

فقال لي: ماذا صرفت ودفعت من أول ما خرجنا من المعسكر إلى أن وصلنا إلى هنا؟

قلت له: عيب يا استاذ. دا أنا أول مرة أدخل بيتك، وكان واجب علي أن أدخل البيت ببعض الهدايا المتواضعة.

فقال لي: شكرا لك. ولكن إذا أردت أن نكون أصدقاء؛ فلابد من ( الحساب ).

فقلت له: انها حاجات بسيطة. و لكن إن صممت على كلامك فمن المرة القادمة سوف نتحاسب.

فقال لي: لا، من اليوم نتحاسب لتدوم الصداقة.

وكان مصمم لدرجة أنه قال لي: أنا تركتك لتدفع حتى يكون الدفع من طرف واحد ويكون الحساب سهل … ولا نقضي وقت ضائع في المشاجرة على من يدفع ومن لا يدفع بلا طائل… فلما يكون الحساب من شخص واحد؛ يكون سهل القسمة على الأشخاص في آخر الرحلة. ويكون شئ راقي في التعامل بين الأصدقاء.

تبادلنا أطراف المجادلة من هنا ومن هناك، وبالرغم من اننى كنت لست سعيدا بذلك إلا أنني نزلت عند رغبته فى الحساب.

الخلاصة

وكان درسا منذ تلك التجربة إلى يومنا هذا.

والدرس هو: إذا أردت الحفاظ على الصداقة؛ فتحاسبوا أولا بأول. ثم اترك ما شئت بعد الحساب … المهم يكون هناك حساب حتى يعلم كل شخص ما له وما عليه وما ترك وما أخذ.

ومنذ ذلك الوقت إلى وقنا هذا؛ أنا ومحمود محمدين أحمد المحامى أصدقاء وأخوة …

هذا هو الصديق والأخ الذى تعطيه أكثر مما يريد ويعطيك أكثر مما تريد…

ما هو تعليقك ؟

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.