حينما نرى الحُجَّاج لبيت الله؛ نفرح لهم و نتمنى أن نكون معهم في هذه المناسك الطيبة .. لنحصل على يحصلون عليه من تنقية أرواحهم ، ومن جزيل ثوابهم…
فبما أننا لا نستطيع أن نكون معهم حاليا ؛ لما لا نعمل بأعمالهم ؟!
ماذا يفعل الحاج بعد عرفة ؟
نتدبر سويا في بعض المناسك و التي لا أذكرها بالترتيب .. حتى نرى كيف لنا أن نفرح بالعيد … نفرح سويا بعيد الأضحى تحت مظلة عبادة الحج.
١- مما يفعله الحاج هو المبيت في مُزدلفة
حيث تكون ليلة ذكر و تكبير و تهليل و قراءة القرآن.. ففيها إحياء الليل بالذكر … أي قيام الليل…
نستفيد نحن من ذلك أن قيام الليل له من الأهمية بمكان …
فنرى أن الحجاج سيذهبون إلى مواقف تالية وأعمال بعدها متتالية ؛ فكأنهم يستعينون على ذلك بهذه الساعات في الليل ليتقووا على طاعة الله ….
إذن … بعبارة أخرى … لنفرح بقيام الليل… لننوي به التقوي على طاعة الله …
٢- مما يفعله الحاج أيضا هو رمي جمرة العقبة الكبرى … ورمي بقية الجمرات
حيث نقتدي بسيدنا إبراهيم عليه السلام برمي الشيطان … نرمي الشيطان الذي يوسوس لنا بالمعاصي…
رماه سيدنا ابراهيم بما وجده ساعتها .. حيث لم يجد إلا حجارة .. فلما خنس الشيطان ؛ رماه سيدنا ابراهيم بما هو أقسى من الحجارة! .. رماه بطاعة الله و الإستسلام لأوامر الله…
رمي الجمرات هو رمز واضح مادي لإظهار عداوتنا للشيطان… وفعل الطاعات و اجتناب المعاصي هو رمز واضح معنوي لإظهار عداوتنا للشيطان أيضا …
إذن.. للتوضيح ؛ لنفرح برمي الشيطان بالطاعات .. لا نجعل هذه الأوقات للعصيان بحجة أنه عيد .. بل نجعل هذه الأوقات بالطاعات و المباحات …
٣- مما يفعله الحاج كذلك هو ذبح الهَدي
نعلم جميعًا قصة سيدنا ابراهيم و الأمر الإلهي له بذبح ابنه سيدنا إسماعيل.. وكيف أن سيدنا ابراهيم استسلم لأمر الله و رأى الله منه أنه يمتثل لأمره دون تردد… فنجح في الاختبار.. و جاء الفداء من السماء.. معلنا و معلما للبشرية جميعا … أنه من انصاع لأمر الله؛ جعل الله له مخرجا بما لا يخطر على باله …
إذن…. لنذبح عاداتنا السيئة حتى يبدلنا الله خيرا منها …
كل منا له ذنب … يقع فيه بين الفينة و الفينة … محبب لهواه … هيا لنذبح هذا الذنب لنجد بديلا عنه …
النفس لا تفعل شئ إلا لأنها تبحث عن شئ تجد فيه الأُنس … معنى ذلك أنها تعصي لأنها تجد الأنس في الذنب .. هيا بنا لنعيد برمجة أنفسنا لـ “إعدادات ضبط المصنع الإفتراضية” … الإعدادات الإفتراضية أو الفطرة السليمة تجعل النفس لا تأنس إلا بطاعة الله… {( ألا بذكر الله تطمئن القلوب )}
أيضا .. معروف أنه يسن تأكيدا لغير الحاج المستطيع أن يذبح الأضحية ..
٤- ومما يفعله الحاج أيضا الحلق أو التقصير
حيث يزيل الحاج شعر رأسه …
الشعر ينبت في الرأس … و الرأس محل من محلات التفكير … فكأن حلاقة الشعر إشارة لبداية جديدة في تنشئة الأفكار… فيكبر شعرك الجديد على غذاء فكري جديد .. يأتيه الدم المحمل بالغذاء المادي و الغذاء الروحي الجديد..
إذن… لنفرح بإعادة هيكلة الأفكار و الخواطر ..
هيا بنا لنشغل حيزا من تفكيرنا في طاعة الله و رضوانه .. بدلا من التفكير طول الوقت في الدنيا وما فيها … فيكبر شعر رأسنا و تتغذى سائر أعضائنا على طاعة من الله و رضوان …
على سبيل المثال … سأل أحدُ الصحابة النبيَّ صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم عن سبب ظهور بعض الشيب في رأسه … فرد عليه بقوله (( ..شيبتني هود.. ))
وانتَِ أيها المسلم / أيتها المسلمة … ما الذي شيبك ؟! …
متى آخر مرة تحركت فيها جوارك لله ؟!
سؤال يحتاج إلى إجابة صادقة مع النفس …..
٥- و مما يفعله الحاج كذلك هو طواف الإفاضة … و طواف الوداع
نلاحظ أن الطواف يبدأ به الحاج بعد الإحرام … ثم يتوسط به الحاج بعد الحلق ويسمى طواف الإفاضة … ثم يختم به الحاج بعد رمي بقية الجمرات ويسمى طواف الوداع …
الطواف له سر … حيث تنضم لمجموعة الملائكة التي تطوف بالبيت المعمور … حيث تسبح مع الكون في طوافه … فتجد الحجاج يطوفون في نفس اتجاه طواف الارض حول محورها .. في نفس اتجاه طواف الأرض حول الشمس … في نفس اتجاه طواف الكواكب … بل في نفس اتجاه طواف إلكترونات الذرة حول نواتها….
هذا الإنسجام الكوني الذي يكون فيه المسلم الحاج يوجد له ما يشابهه يستطيع فعله المسلم غير الحاج … ما هو البديل أو الشبيه ؟ …
التسبيح بحمد الله …
يقول الله {( وإن من شئ إلا يسبح بحمده … )}
إذن …. لنفرح بذكر الله … لننضم للإنسجام الكوني بالتسبيح بحمد الله …
حينما تبدأ عمل ما … تذكر أن تذكر الله لتنسجم الإنسجام اللذي يساعدك على التقوي على هذا العمل …
حينما تكون في أثناء عمل ما … تذكر أن تذكر الله لتنسجم الإنسجام اللذي يساعدك على الإتقان في هذا العمل …
حينما تنتهي من عمل ما … تذكر أن تذكر الله لتنسجم الإنسجام اللذي يساعدك على إتمام هذا العمل وحفظ حقك فيه …
سبحان الله وبحمده … و سبحان الله وبحمده … ثم سبحان الله وبحمده… سبحان الله العظيم…
في الختام … عيد الأضحى وقفات و خواطر
هذه بعض الوقفات التدبرية و التأملية في عيد الأضحى .. ليست إلا مجرد خواطر شخصية قد تخطئ و قد تصيب … لكن الهدف منها هو البحث عن عمل نافع نزاحم به أهل الطاعات… لعلنا نكون معهم في جنة عرضها الأرض و السماوات …
ومن كانت عنده خواطر أو إضافة فلا يبخل علينا بالتعليق بها .. لتعم الفائدة للجميع …